كل الدراسات النفسية تؤكد على أهمية الإجازة للراحة النفسية، فالعقل البشرى لا يستطيع العمل بدون راحة وبدون ترفية. أى ماكينة (الثلاجة، التكييف، التلفزيون......الخ) عندما تعمل بصورة مستمرة بدون توقف تتعطل. لذا فإن الإجازة مطلوبة للفصل بين العمل أو التعليم والعودة للعمل والتعليم مرة أخرى. وفى الشعوب المتقدمة نجد أنهم يحسنون الاستفادة من الإجازات تماما مثل إتقانهم فى العمل.
ولكى يستفيد الفرد من الإجازة على أفضل حال، فعليه بتنظيم الوقت حيث يكون هناك وقت محدد للراحة، ووقت آخر لأداء هواية أو نشاط محبب للإنسان، وبذلك يمكن العودة إلى النشاط والعمل بشهية مفتوحة وطاقة فعالة جبارة. يجب استغلال وشغل كل دقيقة فى الإجازة بما لا يتعارض مع الأسرة، ويجب على الآباء مشاركة الأبناء فى تنظيم وقت الأجازة بأن يكون هناك فترة للسفر، للتنزهه مع الأصدقاء، للعب الكمبيوتر والإنترنت وقت للقرآن، للصلاة، ووقت لتنمية مهارات جديدة أو تقوية بعض نقاط الضعف بأخذ بعض الدورات التدريبية التى لا يمكن الالتحاق بها أثناء وقت العمل وعدم جعل وقت الإجازة بدون استغلال الوقت.
وللإجازة فوائد كثيرة نذكر منها مثلا أنها علاج من المتاعب عمل شاق. فرصة للاسترخاء بعيداً عن الضغوط طوال اليوم وإعادة الحسابات وتقييم الماضى وترتيب أوراق الحياة مع النفس والتطلع للمستقبل بشكل أفضل لأن استمرار العمل بدون توقف يحول الشخص إلى ماكينة بدون إبداع أو تطوير. وليس فى الدين ما يمنع من اللعب واللهو فى الإجازة عكس ما يعتقد البعض أن اللعب يقلل من الهيبة ويحط من المكانة للشخص، وأن اللعب مقصور فقط على الصبية.
فإن اللعب وما فية من تغير وراحة وحركة بلا قيود يزيل الضغوط النفسية، ويساعد على تحمل الحياة الضاغطة القادمة بعد العودة من الإجازة. فقد روى الشيخان من حديث عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت: "والله لقد رأيت رسول الله.. يقوم على باب حجرتى والحبشة يلعبون بحرابهم فى مسجد رسول الله.. يسترنى بردائه، لكى أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلى، حتى أكون أنا التى أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، حريصة على اللهو" [رواه مسلم:892، ونحوه فى البخاري: 5236]. كما كان الرسول يشارك أهله فى اللعب وذلك لإدخال السرورِ على الأهل: عن عائشة -رضى الله عنها- قالت: "خرجتُ مع رسولِ الله.. وأنا خفيفةُ اللحم فنـزلنا منـزِلا فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال لى: تعالى حتى أُسابقْكِ، فسابقنى فسبقتُه، ثم خَرَجْتُ معه فى سفرٍ آخـر، وقد حملتُ اللحمَ، فنـزلنا منـزلا، فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال لى: تعالى أسابقْكِ، فسابقنى فسَبَقَنِى، فضرب بيده كتفى وقال: هذه بتلك" [رواه أحمد وأبو داود والنسائى فى الكبرى، وغيرهم، وهو حديث صحيح]، وقوله: هذه بِتلك، أى: واحدةً بواحدةٍ!
من الفوائد الأخرى للإجازة: تجديد النشاط، وكسر روتين الحياة والملل، ذلك لأن النفس عندما تكرر فعل شىء بطريقة يومية يفقد هذا الشىء متعتة وطعمة، ويصبح كانة واجب ثقيل الدم حتى لو كان الفعل محبوب. كان ابنُ مسعودٍ ـ ـ يُذكِّرُ أصحابَه كلَّ يومِ خميس، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن إنا نحبُّ حديثَك ونشتهيه، ولودِدْنا أنك حدَّثتَنا كلَّ يوم، فقال: "ما يمنعنى أن أُحدثَكُم إلا كراهيةُ أن أُمِلَّـكَم. إن رسول الله ـ ^ ـ كـان يتخولُنا بالموعظة فى الأيامِ كراهيةَ السآمةِ علينا" متفق عليه، فإذا كان هذا فيما يتعلّق بذكر الله الذى هو غذاء القلوب، فما بالُكم بغيره؟
وكان ابن عباس ـ ـ يقول لأصحابه "إذا دامـوا فى الدرس: أحمضـوا، أى ميلوا إلى الفاكهة، وهاتوا من أشعاركم، فإن النفس تملّ".
والإجازة هى الفرصة الذهبية للتفكير فى إحياء العلاقات مع العائلة والأصدقاء وقضاء وقت ممتع وتحقيق لاحظات لا تنسى. كما أنها فرصة لتوسيع من نطاق الاتصال والعلاقة مع الغير، ففى يوم العطلة بطبيعة الحال سوف تجتمع مع ناس آخرين غير من تتعامل معهم فى نطاق العمل، وتتكلمون فى مواضيع مختلفة وتتبادلون المعلومات العامة التى ليست هى مرتبطة بالعمل. ومن المعروف أن العلاقات الاجتماعية هى خط الحماية الأول تجاه مواجهة الضغوط والمصاعب الحياتية.
و الإجازة فرصة للسفر ومشاهدة معالم المدينة، فليس هناك أكثر إمتاعاً من رؤية المناظرالطبيعية الجميلة ومشاهدة البحر، كم أن السفر يجعلك تتعرف على وجهات نظر مختلفة للحياة، إذا سافرت إلى إحدى البلدان الأقل فقراً من بلدك، سوف تشاهد ناساً أقل حظا منك مما يجعلك تعيد تقديرك لحياتك وما فيها من مباهج. وإذا ذهبت إلى من هم أكثر تقدما وأغنى من بلدك تكون هنا تتعلم بطريقة غير مباشرة من الأماكن، الثقافات واللغات الأخرى ما قد يغير حياتك تطلعا لمستقبل أفضل، وقد قال سبحانه وتعالى "قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فى الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ."
وأخيرا نؤكد أن الدراسات النفسية الحديثة أوضحت أن الإجازة لمرة أو مرتين سنويا تقى من الاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب والإجهاد الجسدى لأسباب نفسية. كما أن الدراسات أوضحت أن العائلات التى تأخذ إجازات بطريقة منتظمة هم أفضل العائلات انسجاما وأقلهم فى المشاكل الأسرية. لذا لا تطيل الانتظار وضع خطة لقضاء عطلة سعيدة من الآن.
الكاتب: د. محمد عادل الحديدي
المصدر: موقع اليوم السابع